الاثنين، 26 نوفمبر 2012

تعليم المرأةبسم الله الرحمن الرحيم مقـــــــدمة الحممد لله والعبد لله وما بكم من نعمة فمن الله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الأصفياء وعلى اصحابه الفضلاء والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اهتم العلماء المعاصرون بموضوع تعليم المرأة لما نعايشه اليوم من الجهل والتأخر بين صفوف النساء. وعلى اعتبار مكانة المرأة في المجتمع ومنزلتها لا يقل تعليمها أهمية عن تعليم الرجل، بل يكون تعليم المرأة أحق بأن يحفظ لما يكتنفه من ظروف ذات أبعاد على حياة المجتمع. تعليم المرأة أولا: ً قضية المرأة. لا تظنوا أن قضية المرأة هي وليدة الساعة، أو أنها أتى بها المستغربون، أو من يزعمون النهضة والتقدم ونحو ذلك، المرأة صنو الرجل، والمرأة جزء من الحياة، والمرأة ركن شاء الله عز وجل لها ذلك، وأعطاها من المسئولية وحفظ لها من الحقوق ما للرجل، ولهذا سوف أستعرض معكم آيات من كتاب الله عز وجل، وعليكم أن تستصحبوا أن قرآننا تنزل على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، وعليكم أن تتفكروا كيف كان العالم قبل ألف وأربعمائة سنة أو ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، كيف كان اليونان؟ كيف كان الصينيون؟ كيف كان الهنود؟ كيف كان الرومان؟ كيف كانت أوروبا بأجناسها؟ كيف كان اليابانيون؟ كيف كان الفرس، كيف كان العالم؟! لا يكاد ينظر في شيء، ولا تكاد تكون حضارة محفوظة ومكتوبة ومدونة كحضارتنا أهل الإسلام أبداً، إنما رءوس أقلام، وخطوط باهتة عن بعض الشخصيات كـ أفلاطون ، أو بعض الملوك ونحو ذلك ككسرى وقيصر، لا تكاد تجد شيئاً مكتوباً يمثل حضارةً متقدمة تقدماً علمياً، وبخاصة في قضايا المرأة، في قضايا الحقوق. وأما كتاب ربنا فتنزل بهذا الحديث المستفيض عن الحياة كلها، عن المستويات فيها، بقطع النظر عن كلام الآخرة فهذا شيء جلي وليس محل حديثنا، حديثنا عن القرآن والسنة؛ قرآن نبينا الذي تنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرته في قيام هذه الحياة برجلها وامرأتها، أتى دينٌ كامل، وفصل كل قضايا الحياة ودقائقها، بما في ذلك قضية المرأة، فلا يظن الظانون حينما نتحدث عن المرأة في هذا العصر الذي يزعمونه عصر نهضة وتقدم؛ أننا ندافع، أو أننا في الموقف الضعيف، أو أننا كنا في الظلمات. القضية كبيرة: أوروبا كانت في عهد ظلمات وفي القرون الوسطى، وكنا في عصور النهضة، كان ديننا هو القائد، وكان ديننا هو الحاكم، وكانت حضارتنا هي التي تغطي العالم، وحكمنا لا تغيب عنه الشمس؛ بعدل ونور وعدالة، وحقوق بينه للرجال والأطفال والنساء، والحيوان والحجارة والأشجار، وحقوق المسلمين وغير المسلمين من الرهبان والشيوخ والصبيان، فإذا كانوا يتحدثون عن عصر ظلمات فهو في حقهم هم. إذاً: فحينما نتحدث عن قضية المرأة فنحن لا نتحدث من موقف ضعف ولا لأننا محل شبهة، نحن نقول: قال الله وقال رسوله في وحي تنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنوعية القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرناً. أولاً: من المعلوم في أسلوب اللغة العربية أن الخطاب للذكر هو خطاب للأنثى من باب التغليب، وهذا أسلوب في لغة العرب، بل حتى في اللغات الأخرى وهو ما يسمى بالجنس، فحين يقول: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } [الانفطار:6] ليس المقصود الذكر وحده، وحينما يقول الله عز وجل: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } [العصر:1-2] معلوم أنه لا يراد به الذكر وحده، وحينما يقول: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } [العصر:3] بالاستثناء لا يريد به الرجال وحدهم، وهذا كثير، ومعروف في اللغة وعند الفقهاء رحمهم الله، فأي حكم فهو للرجال والنساء؛ هذا جانب. إذا خصت المرأة بخطاب، وهذا هو الذي سوف نستعرضه فيما بين يدي من آيات، فهي في الكلام عن المرأة. وأعيد مرة أخرى أن قضية المرأة قضية مبحوثة في ديننا بكل جوانبها، لا لأننا من موقف ضعف، وإنما فعلاً لأن الدين جاء لإقامة الحياة على وجهها بذكرها وأنثاها، ولهذا حاولت أن أحصر الكلام في أربعة موضوعات هي في بعض آيات كتاب الله: أولها: آيات في المساواة في الخلق والتكوين والأصل. ثانياً: آيات في خطاب التكليف والمسئولية. ثالثاً: آيات في أحوال الاستضعاف. رابعاً: آيات في الجزاء والثواب . مساواة المرأة بالرجل فيما لا يخرجها عن أنوثتها ولا يغمطها حقها المساواة أساس من أسس الإسلام، فهو دين المساواة إلا أن الله تعالى فضل الرجال على النساء؛ لأن الرجال مطالبون بحقوق تقابل هذه الدرجة أو تزيد، فهم الذين يبذلون أموالهم عند الزواج، وهم الذين يسعون في سبيل الحصول على لقمة العيش، وهم مطالبون بالنفقة؛ يقول الله سبحانه وتعالى لآدم و حواء : { فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } [طه:117]، ويقول المفسرون: إن الله قال: (فَتَشْقَى)، ولم يقل: فتشقيا. وإن حذف الألف في هذه الآية يدل على أن الرجل -وحده- هو المطالب بالبحث عن العيش، لأن معنى قوله تعالى: (فتشقى) يعني في البحث عن العيش، لأنك في الآخرة قد كفيت العيش، وبهذا استدل العلماء على أن المرأة غير مطالبة بالنفقة، وأن الرجل هو المطالب بالنفقة عليها. فالمساواة في الأصل ثابتة حقاً، يقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الأعراف:189]. كذلك المساواة في العمل ثابتة أيضاً: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [الأحزاب:35] إلى أن قال الله في آخر الآية: { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35]. كذلك المساواة في جزاء الآخرة: يستوي في ذلك الرجل والمرأة، كل ينال نصيبه وجزاء عمله، { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرً } [آل عمران:30]، ويقول سبحانه: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران:195]. وكذلك المساواة في المعاملات: في البيع والشراء، والأخذ والإعطاء، والرهن، والقرض، وما أشبه ذلك. وكذلك المساواة في التعليم: فالإسلام لم يحرم تعليم المرأة، لكنه يأمرها بالحشمة حينئذٍ والتستر، فهو يبيح لها أن تتعلم كل ما تستفيد منه، بل قد يوجب التعلم في كثير من الأحيان إذا كان دينها لا يقوم إلا به، إلا أنه ينهى عن المبالغة في التعليم حتى يطغى على سن الزواج، لأنه يفوّت فرصة من فرص الحياة التي لا بد للمرأة منها. وإذا كانت هناك مطالب للمساواة غير ما سبق، فإنها ليست من مصلحة المرأة، وإنما تصدم مصالحها، ولن تعود عليها بخير؛ ولهذا فإن هؤلاء الذين يطالبون بالمساواة لم يخلصوا لها، بل هم عدوها اللدود؛ فهم يريدون مساواتها بالرجل في جميع وظائف الحياة، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن تركيبها يختلف كثيراً عن تركيب الرجل، وعضلاتها تختلف، فلقد أثبتت التقارير العلمية الدقيقة أن هناك فرقاً كبيراً في الوزن، وحجم القلب، وتركيب الأعضاء، وغير ذلك بين الرجل والمرأة!! علماً أن مزاولتها لجميع الأعمال يعرضها للفتنة وانحطاط الخلق حينما تختلط بالرجال الأجانب، وقبل ذلك فهي مطالبة بأعمال لا يستطيعها الرجال من الحمل، والولادة، والرضاع، والحضانة، وتربية الأولاد، وغير ذلك. وفوق هذا كله، فالمرأة مأمورة بعدم الخروج من البيت إلا بمقدار الحاجة والضرورة، والعمل غير المقيد يطالبها بالخروج المستمر، والله عز وجل يقول لها: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب:33]، ولا يجوز تكليفها بأي عمل يفرض عليها الخروج المستمر عن بيتها، ويعرضها للذئاب الجائعة. وأخيراً نقول: ماذا تريد المرأة؟! أتريد المساواة الإنسانية في الأصل والنشأة مع الرجل؟ لها ذلك، وذلك ثابت لها في قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الأعراف:189]. أم هل تريد المساواة في الاستقلال الاقتصادي، وحرية التملك والمعاملة والأخذ والإعطاء؟ لها ذلك. أم هل تريد حق التعليم والعمل بضوابط وحدود؟ لها ذلك. أم هل تريد حق اختيار الزوج الصالح؟ لها ذلك. أم هل تريد العشرة الحسنة مع زوجها؟ لها ذلك. أما إذا كانت تريد بالحرية التبرج، ومزاحمة الرجال، وإفساد المجتمع، فليس لها ذلك؛ محافظة عليها وعلى مجتمعها ودينها، ولا يعرف هذا الأمر إلا الذين اكتووا بناره، وتجرعوا غصّته، فصاروا ينادون بأعلى أصواتهم: خذوا منا عبرة، حافظوا على المرأة، احذروا أن تتركوها طليقة، احذروا أن تتركوا لها الأمر كما تريد! التعليم ونعني بذلك التعليم الذي لا يقف عند حد، والتعليم نحن -والله¬- لا ننكره، وهو حق للرجل وللمرأة، ولكن أي تعليم هذا الذي يجب أن يكون حقاً للرجل والمرأة؟ معرفة الله، ورسوله، ودين الإسلام، والحلال والحرام، وشيء من العلوم العصرية التي تستفيد منها المرأة. لكن قل لي بالله -يا أخي!-: هذه المرأة التي لا تريد أن تقف إلا عند آخر جدار في هذا التعليم، لا تقف حتى تحصل على الدكتوراه، وتدرس في الجامعات كل الفنون وكل العلوم، إذاً أين المرأة؟ ومن للبيت ولتربية الأطفال؟ ومن ومن إلى آخره. التعليم يجب أن يكون بمقياس معين، أو بحد معين، وإلى حد ومستوى معين، أما أن تكون المرأة ذات طموح بحيث لا تقف عند حد ولا شهادة ولا مؤهل ولا نوع من الفنون التي لا تحتاج إليها فهذا خطر من نواحٍ كثيرة: الناحية الأولى: أنه يذهب بزهرة شبابها، فلا تكاد تكمل المرحلة التي تطمح إليها إلا وقد كبرت سنها فأصبحت لا يرغب فيها الرجال، وهذا أول خطر من الأخطار، وهذه هي المشكلة التي عاناها العالم عن أيماننا وشمائلنا، فأصبح النساء الجامعيات ومن وراء الجامعات مكدسات، وأدى ذلك إلى فساد فيهن؛ لأن الرجال لا يرغبون فيهن؛ لأن السن أصبحت متأخرة. الناحية الثانية: أن المرأة درست كل شيء فأصبحت تتطلع لرؤية ما درسته، درست جغرافيا العالم كله، فأصبحت تتطلع إلى أن ترى هذا العالم، درست تاريخ العالم كله، فأصبحت تتطلع إلى أن ترى هذا الشيء، درست لغات أجنبية، فتريد أن تطبق هذه اللغات في مجتمعاتها التي تعيش فيها، وعلى هذا أصبح تعليم المرأة الذي لا يقف عند حد معين ولا عند نوع معين من التعليم أصبح يشكل خطراً عليها. الناحية الثالثة: أن النساء اللاتي بلغن القمة في التعليم أصبحن يتمنين ولو ربع زوج أو ثلث زوج أو نصف زوج، فلا يحصلن عليه، وهذا يعتبر من الأخطار التي لا تدركها المرأة إلا بعد أن تصل إلى الذروة والنهاية. الناحية الرابعة: العزوف عن الزواج، وهو يعتبر فرعاً عن التعليم طويل المدى الذي لا يقف عند حد ولا عند نوع معين، فأدى إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج، ولربما تصاب هي بعزوف من الزواج فتصبح عانسة، ثم تكون نهايتها بعد ذلك أرملة. الناحية الخامسة: المغالاة في المهور، وهذه اصطنعها أقوام لديهم من الجشع الذي لا يقف عند حد، ونسوا قول الله عز وجل: { وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور:32]، ونسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أكثرهن بركة أقلهن مئونة ). وقد مُني عصرنا هذا بالمغالاة في المهور، ويا ليت هذه المهور وهذه الأموال التي تبذل تصبح ملكاً للمرأة تتمتع بها في حياتها، وتقدم منها ما تشاء من أفعال الخير، بل أصبحت هذه الأموال تقدم لتحرق في ليلة واحدة في أكثر الأحيان، واذهب إلى قصور الأفراح وانظر إلى النعم والخيرات التي تضيع، واللحوم التي ترمى، والأطعمة التي تهراق في الأسواق، والمسلمون في مجاعة وشدة لا يعلمها إلا الله عز وجل. هذه المهور وهذه المغالاة في المهور التي أصبح كثير منها يصرف على اللهو واللعب والمحرمات أصبحت تشكل خطراً على الرجل والمرأة، فأصبح كثير من الشباب لا يستطيع جلب هذه المهور، وأي حل يسعى إليه؟ إما أن يذهب إلى الفساد هنا وهناك، وسيجد الوسائل ممهدة، الطائرات يومية، التذاكر مخفضة، الجوازات جاهزة، وإما أن يذهب ليتزوج من الخارج بامرأة غريبة عنه وعن مجتمعه، ولربما لا يتأكد صلاحها، وهذه كلها أخطار تحيط بالمرأة، أما المرأة هنا فإن جشع وليها ومطالبه الكبيرة التي لا تقف عند حد أصبحت تحول بين هذه المرأة وبين الزواج. فريضة تعليم المرأة وكما كان اللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك كان اللبس في تعليم المرأة، فإن من حق المرأة أن تتعلم، وكما قلنا: أي خطاب للرجال هو خطاب للنساء، وقال الله عز وجل: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:1-5] الرجل والمرأة، و { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9] الرجال والنساء، فأي خطاب كما قلنا فهو موجه للرجال والنساء، ولا شك أن هناك ضوابط مأخوذة من الدين أيضاً، وإلا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: { طلب العلم فريضة على كل مسلم }، ليس في الحديث مسلمة لكن لفظ مسلم يسشمل الرجل والمرأة، إلا أنه لا شك أن هناك ضوابط تتعلق بطبيعة المسئوليات التي بها تستقيم الحياة استقامة حقيقية يترتب عليها نوع التعليم، ولهذا نقول: وكما كان الخلل واللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك حصل اللبس والخلل في مفهوم تعليم المرأة، إذ لا شك أن تعليم المرأة حقٌ، وحينما جاء الحديث الشريف: { طلب العلم فريضة على كل مسلم } فإن المراد به كل مسلم ومسلمة؛ لأن الخطاب كما قلنا للجميع، وهذا معروف في نصوص الكتاب والسنة، وكذلك في أسلوب اللغة، ولكن الانحراف الذي حصل في هذا المفهوم، أو هذا الشعار أنهم ربطوا ذلك باختلاط الفتيان والفتيات، وربطوا ذلك بالتبرج في اللباس، وربطوا ذلك بأمور كثيرة، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا حينما جاء التعليم -طبعاً في غير ديارنا ولله الحمد- لكن نحن نتحدث فعلاً عن قضايا التغريب، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا الأسرة المسلمة في الاختلاط وأمام مأزق الدين نفسه، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، من غير تعليم، وفي الواقع هناك ارتباط بين التعلم في كثير من الصور المعاصرة وبين التفسخ الأخلاقي، مع الأسف أن هذا الذي ينكره يماري مماراة ويجادل في أشياء لها برهان كالشمس في كثير من قنوات التعليم. إذاً: حينما ربطوا بين التعليم والاختلاط، وبين التعليم والتفسخ، وبين التعليم وأنواع اللباس، كأنهم حرصوا أن يضعوا الأسرة المسلمة أمام مفترق طرق، أو مأزقٍ ديني ونفسي، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، إما أن يبقين بلا علم، وإما أن يفرطن في التزاماتهن الدينية والخلقية والتربوية، وأنت تعلم عقلاً وحساً أنه ليس ثمة تلازم بين التعليم والاختلاط، ولم يقل أحدٌ بأن البنت إذا تلقت العلم مع زميلتها وشقيقتها سيسوء فهمها ويتأخر تعليمها، ولكن مع الأسف ورغم وضوح ذلك فقد حرصت الدعوات المشبوهة والمنحرفة بمعونة مؤسسات من الداخل والخارج على ربط تعليم المرأة بالاختلاط مما أساء في نهضة المرأة المسلمة، فلمصلحة من تلزم الأسرة المسلمة بما لا يلزمها؟ وهل النهضة لا تكون إلا بترسيخ مبدأ علماني غربي في ديار الإسلام ليس له أي مردود نهضوي أو عقلاني في مسيرة الأمة نحو السبق الحضاري الراشد؟ والنتيجة لقد أخرجوها من بيت وليها أباً أو زوجاً أو غيرهما بشتى الحيل بل وأهونها، فكان ذلك بدايات المحذورات جميعاً، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها، وانصرفت إلى نضال مدنس أو على الأقل ثانوي؛ سعياً وراء تحصيل علم بزعمهم، وتحقيق الكيان الاجتماعي بحسب تعبيراتهم، وإثبات الشخصية والوظيفة المرموقة، وباسم العلم والنور والتقدم أخرجوا نماذج نسوية تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل ومسارح الاختلاط المختلفة خلفت وراءها رسالتها الحقيقية وبخاصة سياسة البيت، فنبتت المشكلات الأسرية والزوجية، وتفككت الأسرة، وضاعت المسئولية، ومع الأسف أن هذا فيما يتعلق بالتعليم المختلط، أو حتى عموم تعليم المرأة. عمل المرأة نأتي إلى قضية عمل المرأة. قضية الحط من العمل المنزلي. ما كان ينبغي أن يكون عمل المرأة مشكلة، لأنه مع الأسف إذا قالوا: عمل المرأة أو إذا قالوا: المرأة العاملة فإنهم لا يعترفون بعمل المرأة إلا إذا كان خارج بيتها، ومع الأسف حاولوا أن يرسخوا هذا المصطلح، وهذا من التغريب؛ فإذا قال لك: المرأة العاملة، وظروف المرأة العاملة، وتهيئة ظروف المرأة العاملة، ومساعدة المرأة العاملة، فالمرأة في بيتها عندهم ليست عاملة، ولهذا كان توجههم الأول هو الحط من العمل المنزلي. نحن لا ننكر أن المرأة قد تحتاج إلى أن تعمل خارج بيتها، هذا لا شك أنه مقدر ومأذون فيه بضوابطه، لكن منطلقهم وهو الذي نركز عليه هو الحط من العمل المنزلي، واعتبار أنه إذا كانت المرأة في بيتها فإن نصف المجتمع معطل، والمجتمع كما يقولون أو كما يعبرون: يتنفس من رئة واحدة. وأنا أريد أن نتحدث في هذا عن نوع من الخطاب الرقمي، أو الإحصائيات فيما يتعلق بعمل المرأة في منزلها، وهو ما يسمونه: بالإنتاج القومي، أو المردود الاقتصادي، لأن هذه معاييرهم، أما قضية الحشمة، وقضية الأدب، وقضية تربية الأولاد؛ فهذه ليست في حسابهم أبداً، صحيح أنهم يتكلمون نظرياً عن المرأة وتربية الأولاد، لكن الواقع إلحاحهم على إخراج المرأة، وعلى إلغاء أهمية العمل المنزلي هذه هي القاصمة وهذه هي الطامة، ولهذا فهم يصرون على إخراج عمل المرأة في بيتها من مفهوم العمل، ولهذا تجد في عباراتهم الشائعة: أن المرأة إذا لم تعمل خارج منزلها فإن المجتمع يكون نصف معطل، أو هو مجتمع يتنفس من رئة واحدة، وبنظرة علمية عاقلة بحسب مقاييسهم تدرك أن هذه الدعوة لا يسندها أي حجة، مثلاً: هذا اقتصادي معروف لكن بطبيعتي لا أحب ذكر الأسماء في مثل هذه الجموع والمرجع والصفحة مثبت عندي، يقول: إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات، وفي تقرير للأمم المتحدة صدر عام خمسة وثمانين ميلادية، يعني: أربعمائة وخمسة تقريباً حول القيم الاقتصادية لعمل المرأة في المنزل، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية. طبعاً نساء العالم بما في ذلك أوروبا ، و أوروبا المرأة العاملة فيها بالبيت قليلة جداً، وأغلب النساء التي تعمل في المنازل من نساء العالم الثالث، والعالم الثالث هو الذي يعاني الفقر، فإذا خرجت المرأة من بيتها كيف ستكون ميزانية الدول، لاحظ ماذا يقول التقرير، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد. بمعنى: أن المرأة في بيتها قد وفرت على الدولة نصف دخلها القومي، فما بالك بدول العالم الثالث الفقيرة أو التي مستواها قريب من الفقر؛ فإنها ستفقد نصف دخلها القومي، يعني: يزيد فقرها فقراً، ولا تكسل لأنها لا تأخذ من بيت المال أو من ميزانية الدولة إذا عملت، هذا بم قاييس مادية ومقاييس رقمية. لو أعطيت نساء العالم أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم، سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، أو السَّموم اللاهب، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل ولا ماء للشرب، ولو حدث هذا الإضراب فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت. ثم يقول التقرير: عمل المرأة في المنزل غير منظور لدى الكثيرين -طبعاً الأمم المتحدة تعتبر حيادية، وتتحدث عن قضايا إحصائية- وإن المرأة لا تتلقى أجراً نظير القيام بهذا العمل، إن هذا العمل حيوي وعلى جانب عظيم من الأهمية؛ غير أن هذه الساعات الطويلة من عناء المرأة في المنزل لا يدركه الكثيرون لأنه بدون أجر. هذا كما قلنا قضية رقمية فما بالك بالتربية، ما بالك بالحنان، ما بالك بالاستقرار، ما بالك بالسكن في البيت، بالسكينة والطمأنينة، هذا كله لم يحسم، تصور زوج وزوجته لا يأتون إلا بعد العشاء، أو لا يأتون إلا بعد العصر. إذاً: نقول: إن المرأة لو تقاضت أجراً لقاء أعمالها المنزلية لكان أجرها أكثر من أربعة عشر ألفاً وخمس مائة دولار في السنة، إن النساء الآن -وهذا عام خمسة وثمانين- في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من (25% إلى 40% ) من منتجات الدخل القومي من أعمالهن المنزلية. هذه المجتمعات الصناعية فما بالك بالمجتمعات التي لا تعمل فيها المرأة كثيراً في الخارج؟ وامرأة سويسرية تركت العمل ورجعت إلى البيت، تقول: لو حسبت أجر المربية والمعلمين الخصوصيين ونفقاتي الخاصة، لو أنني واصلت العمل لوجدتها أكثر مما أتقاضاه بكثير. ولهذا هي فعلاً حسبت لنفسها أنها وفرت على نفسها شيئاً كثيراً، وكما قلت: هي نظرة مادية. وما بالك بالقضايا غير المنظورة وهي أهم؛ كما في قضية التربية والسكن والحشمة، واستقرار النفس بين الزوج والزوجة وأشياء كثيرة. مع الأسف أؤكد مرة أخرى على توجهنا الحق من العمل في المنزل، يقول أحدهم: إن مهمة المرأة التي يتم تقييمها على أساسها تنحصر في الحمل والطبخ وتنظيف المنزل والعناية بالزوج. ومع الأسف أن هذه المقولة لأحد أبناء المسلمين، ولو أني قلت له: قال الله وقال رسوله يمكن ألا يستجيب ويقول: هذه أساطير الأولين، لكن لو قلت له: قال فلان وفلان، ولهذا سأقول له: قال برناردشو ؛ لأنه غربي، وأظنه سيسمع كلامه، فأنا أقول: هذا المسكين لو سمع مقالة بعض الغربيين في أهمية الحمل لتغيرت رؤيته، ولو سمع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بالحمل والحامل والجنين لما تغيرت؛ وهذا من التغريب الذي مسخ الأفكار، ومسخ العقول. برناردشو يقول -ولقد سميته مع أني لا أحب -كما قلت- ذكر الأسماء ولكني مضطر لخطاب مثل هؤلاء- يقول: إن العمل الذي تنهض به النساء، العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه هو حمل الأجنة وولادتها؛ لكنهن لا يؤجرن بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق، بل العكس ينظرون أنها حضانة كبهائم وكمجرد تفريخ ونحو ذلك. ولهذا ديننا حاول أن يصور قضية الحمل بشكل: { وَهْناً عَلَى وَهْنٍ } [لقمان:14] ليبين حقها { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [الأحقاف:15] كل هذا بيان لأهمية هذا الأمر، والموضوع كبير في هذا. إذاً: هذه القضايا في موضوع تعليم المرأة وشعار تحريرها والعمل كذلك خارج وداخل المنزل هي التي تدور في الساحة، وهي التي يلوكها من يلوكها على هذا النحو من الطرح مع الأسف؛ نوع من السخرية، ونوع من الاستهجان، ولكن أؤكد أنها نظرة غير عاقلة، وإنما هي إما نوع غفلة وجهل، وإما سوء نية وطوية؛ لأنها لا تخدم اقتصاداً، ولا ديناً، ولا خلقاً، ولا تماسك مجتمع، ولا نهضة حقيقية. كلمة لمفتي تركيا حول تحرير المرأة لعلي أنتقل إلى الفقرة الأخيرة وهي مقالة أو كلمة أعجبتني كثيراً لـ مصطفى صبري ؛ آخر مفتي في تركيا ، وقد عاصر هذه القضايا، وعاصر انسلاخ تركيا وعلمنتها، ولاقى ما لاقى أيضاً حتى في مثل هذا الباب، وأعرض قضية المرأة، وله في هذا كلام، لكن تكلم في هذا كلاماً جيداً، ومقارنة بين هؤلاء الذين يريدون فعلاً أو يزعمون أنهم ينصرون المرأة، وحاول أن يقارن بين المرأة في الشرق والمرأة في الغرب بكلام لا شك إنه يحتاج إلى وقفة وتأمل. يقول: من المقطوع به أن مسألة المرأة كانت هي الفارق المتميز بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام والغرب، يقول: فما كان يخطر بالبال -هو يعيش معاناة بلا شك، وتوفي عام (1372هـ) - قال: فما كان يخطر بالبال أن يجد الغرب في امرأته السافرة من يقلدها في الشرق المسلم المعروف والمشهور بتدينه وغيرته على نسائه مهما قلد في غيرها، قد تقلد في كذا، لكن تقلدها في أن تنخلع امرأتك من حجابها وحشمتها وعفافها هذا ما كان يخطر بالبال. لأنه كان في تركيا وكان يرى مثل هذا، قال: لكن مع الأسف أن غيرته على نسائه زالت مع غيرته على إسلامه. وهذه والله قاعدة يعني: إذا قلت الغيرة على النساء فهي قلة غيرة على الدين، وهذا أمر جلي، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة، وهذه التي أريد أن نتوقف عندها، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة يحسب أنهم يجلون المرأة، ويقدرونها ويقصدون إلى رفعة مكانتها، ومن هذا الظن الخاطئ اعتبروا المرأة الشرقية مغموطة الحق، منكودة الحظ، محقورة مظلومة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة: أن الغرب ومقلديهم من المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، ولهذا لا شك أن الذي يطالب بحقوق المرأة رجال، ثم المرأة تأتي في الصف الثاني وهذا تأملوه تجدوه حقيقة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة أن الغرب ومقلديهم المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، فما مظاهر إجلال الرجل المعاصر للمرأة وتقديمه إياها على نفسه -يقدمونها بالدخول والخروج- إلا نوعاً من المخادعة وجعلها أداة للهو واللعب، وما إخراجها من بيت الكرامة والعفة إلا لتسام الخسف في سوق الابتذال، حتى إن اشتراكها في أعمال الرجل الذي قد عدوه انتصاراً لها وفوزاً بحقوقها وتحقيقاً لمساواتها المدعاة بالرجل ما هو إلا احتمالها لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حتى حق القيام على النساء، وهذا صحيح، فلو وقفنا وقفة هؤلاء النهضويون ماذا قدموا للأمة! هل أصبحنا دولاً صناعية؟ فقط: مجرد لباس، ومجرد خلاعة، ومسارح، وفنون، هذا الذي أخذ به كثير من دول العالم الثالث وأغلبها الدول الإسلامية، لا نهضة في أنفسنا، ولا نهضة في الاقتصاد، ولا نهضة في استقرار حقيقي، ولهذا يقول هو: وما فعله الإنسان إلا احتمال لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حق القيام فضلاً عن نسائه، مع أن تحملها أي: المرأة، لتلك الأعباء هو مزاحمة للرجل لا مساعدة له فيها. حكم عمل المرأة ممرضة الإسلام لا يعارض تعليم المرأة، كما أنه لا يعارض عمل المرأة، فقد كان من النساء المسلمات من تخرج في أيام الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم لتمريض الجرحى، وعلى كل نقول: دخول المرأة في مدرسة للتمريض، أو اشتغالها بالتمريض، أو دخولها في مستشفى للتمريض هذا الأصل فيه الحل، لكن له ضوابط وشروط وقيود، وأهم هذه الشروط أن تكون متحجبة محافظة لا تختلط برجال، ولا تخرج إلى هذا المكان إذا كان بعيداً عنها إلا بمحرم، ولا تستعمل أي نوع من المحرمات، لا تستعمل الطيب، ولا الملابس الشفافة الضيقة والقصيرة، وإذا التزمت بهذه الأشياء وكانت مع النساء وكانت محاطة بعيدة عن الرجال فأرجو أن يكون هذا من باب الحاجة والضرورة، أما إذا اختل واحد من هذه الشروط فإن النهي يأتي عن طريق هذا الشرط الذي فقد. حقيقة دعوة حرية المرأة وحينئذٍ فإن لم تقهر المرأة في هذه المزاحمة وتغلب -طبعاً لو صار في صراع حقيقي بين الرجل والمرأة ما كانت المرأة أن تغلب الرجل- ولهذا يقول: وحينئذٍ فإن لم تقهر المرأة في هذه المزاحمة وتغلب فإن عدم غلبتها وقهرها ما هو إلا تنازل من الرجل مقابل استغلاله لأنوثتها وابتذاله لها، وقد كانت المرأة في الشرق هي خير عون للرجل أعمالها كانت بحشمة؛ في الزراعة، كانت تعمل في بيتها تخدم وتقدم أعمالاً بيتية لكن كانت المرأة خير عون للرجل في عمله، ولها عملها وله عمله في سائر البيت وسائر الحياة في انضباط وحشمة وعفة فهي الزوجة والأخت والأم، وهذا هو الأمر السائد غير أننا لا ننكر أن هناك نساء مظلومات كما قلنا قبل قليل، ووجد -ولا شك- نوع اضطهاد، وهو يقول: هذا الاضطهاد الذي يتحدثون عنه ويدندنون حوله لا يخلو من إحدى صورتين: اضطهاد على الطريقة الشرقية، أي: أنها محصورة في العمل في بيتها فهي زميلته في الحياة ومساعدته في بيته، الاضطهاد الذي يرونه اضطهاداً هو بقاؤها في بيتها، وسماه الشيخ هنا اضطهاد على الطريقة الشرقية. قال: أو اضطهاد على الطريقة الغربية، فهي زميلته في الحياة ومزاحمته في أعمال الحياة وظروف المعيشة. والنتيجة، يقول: إن في كلا الصورتين ليس لها موقف حر ممتاز خالٍ من الاضطهاد، لكنها في الطريقة الغربية تتميز بكونها أداة للهو واللعب والاستمتاع من قبل الرجال. فالذين يدعون ويعملون لحرية المرأة في الشرق يريدون تحقيق جانب اللهو واللعب والاستمتاع، وهي الصورة التي يزعمون أنها بها أخذت حريتها، وسلمت من الاضطهاد، كما أن دعاة السفور يزعمون أنهم يعطون المرأة مكانة حين يكون الرجال الأجانب مزاحمين لزوجها عليها، وفي نظر العاقل المنصف فإن ضعف المرأة في القوة الجسمانية الذي لا يختلف عليه أحد من موافق ومعارض، إضافة إلى طمع الرجل بها مع عدم استغنائها عنه، كل ذلك يمنع استقلالها في الحياة، ويحتم عليها ألا تعيش فرداً منعزلاً، فكيف يكون ذلك مع حفظها وتكون مبتذلة للرجال. هذه حقيقة يجب أن نقررها، وهي موجودة، وبمعنى أنه فعلاً هي مضطهدة يعني على الطريقة الشرقية وهي التي ننكرها أيضاً ولا نرضاها، أو الطريقة الغربية وهي فعلاً شئنا أم أبينا هي أداة استمتاع، ولهذا تضع أصباغها وزينتها في المدرسة وفي المعمل وفي الإدارة وفي كل مكان بروائحها العطرية الفواحة. وقفة بين نظرة الإسلام ونظرة الكفر إلى المرأة ولعلي أختم بهذه الكلمات: وهي وقفة بين نظرتنا ونظرتهم. هل الحرية والحقوق أن تكون المرأة غانية في سوق الملذات والشهوات، يستمتع بها الرجل من طلوع الشمس إلى غروبها، ومن غروبها إلى طلوعها في دور الأزياء، وقاعات السينماء، وشاشات التلفاز، وصالات المسارح، وأغلفة المجلات، وشواطئ البحار والأنهار، وبيوت اللهو والدعارة، والصخب في السيارة، بل ومع الأسف حتى في ردهات المستشفيات والملاحات الجوية، ومن المشين المخجل أن يقال: إن ذلك قد يقع حتى في دور التعليم ومحاضن التربية، هل هذا هو سبيل نيل الحقوق؟ أو هذه هي صورة نيل الحقوق؟ ولكن في الحقيقة إنها البيوت الخربة، والمسئولية الضائعة حين ألقاها الرجل عن كاهله فوقعت تلك النساء حيث وقعن؛ إهمال وتنصل من مسئولية الإنجاب والتربية البيتية، فأصبح الذكر والأنثى لنفسه لا لأهله، للذته لا لكرامته، فمن أجل هذا فأنت ترى أنه كلما سادت هذه المفاهيم رأيت الفساد يستشري، والخراب إلى الديار يسري، إنهم يريدون امرأة نداً للرجل ومماثلاً له ومناوئاً، والمرأة في نظرتنا شقيقة الرجل وشقه ومتممته، الرجل محتفظ برجولته والمرأة متميزة بأنوثتها، إنها في نظرتهم كما أسلفت آلت إلى سلعة في سوق النخاسين وعروض الأزياء، غانية في سوق اللذة والشهوات. إن نظرتنا أنه لا يجوز أن يكون تأمين العيش، ولا مكافحة الفقر، ولا محاربة الجهل على حساب العرض والشرف، فما ضياع الشرف إلا ضياع العالم كله إن كانوا يعقلون، ولئن وجد الشاب والشابة في نزواته وصبواته وفترة الطيش من عمره لذة عاجلة أو شهوة عابرة فإن عاقبة ذلك الدمار والتشتت الأسري وانهيار المجتمع كله، وما كانت فتيات المجلات ونجوم المسلسلات إلا نتاج هذا النظام الخاسر. إذاً: هذه إشارات إلى مواقع المرأة والرجل في ديننا، خلقهم الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة، العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة وسكن وطمأنينة، لا علاقة صراع ومنافسات غير شريفة، وهذه بعض لمحات وبعض إشارات، والموضوع واسع، والقضية كبيرة، ولكن لعل من مجموع ما سمعتموه مما سبق وما سوف تسمعون إن شاء الله تتكامل النظرة والصورة. تربية المرأة المرأة المسلمةمرآة صادقة لمنهج الانصاف والعدالة اللذان تشتمل عليهم رسالة الإسلام وتكوينها المزاجي يفرض عليها أن تسلك سبل التكيف مع ظروف تخصها دون الرجل. ومع كل هذا يتحتم على الأسرة المسلمة أن تربي المرأة وفق تعاليم الرسول (صلى الله عليه وسلم) "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكرالله كثيرا" فقد كان من خريجي مدرسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التربية أهل بيته الأطهار،وعلى رأسهم سيدة نساء العالمين عليها السلام. نالت شرفا وعزا وبوأت مكانة لا تساويها مكانة لشرفها وسموها الخلقي. التربية مسألة متعددة الأطراف فصعب استيعابها في مقالة موجزة، ولكن نكتفي بما يلي على سبيل المثال: *التربية الإيمانية:لغرس أركان الإيمان وأصوله. *التربية العبادية: لتدريب الفتاة على العبادة والتنسك. *التربية الحرفية: لتمكينها من الإعتماد على النفس. وأمرنا الشارع أن نأدب الأولاد على ثلاث خصال، فقال عليه الصلاة والسلام: " أدبوا أولادكم على ثلاث خصال،حب نبيكم وأهل بيته وتلاوة القرآن. خاتمة بناء الجيل القادم يعتمد بالأساس على تربية المرأة وتعليمها حتى تتمكن من القيام بمسؤلياتها كأم و زوجة محترفة. وأهم مانود الإشارة إليه هو الإنحلال الخلقي الناتج من التغريب والذي أخذ ينتشر بين صفوف الفتيات المسلمة. وليس من السهولة بمكان ارساء دعائم التربية السليمة إلا إذا تم وقف طوفان الجهل والخلاعة بين صفوف النساء. أهم المراجع 1- الشيخ صالح المنجد درس بعنوان (تعليم المرأة) 2- الشيخ عبد الله الجلالي درس بعنوان (مساوام المرأة بالرجل فيما لا يخرجها عن) 3- الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي (حكم تعلم المرأة في المدرسة) (فريضة تعليم المرأة و تربيتها في الإسلام) مقالة قدمت يوم التاسع من شهر رمضان المبارك لعام(1433هـ) ضمن دورة تعليمية عقدها مجلس العلماء بولاية جغاوا. إعداد: تراكي عثمان هطيجيه.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقـــــــدمة
  الحممد لله والعبد لله وما بكم من نعمة فمن الله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله  سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الأصفياء وعلى اصحابه الفضلاء والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
  اهتم العلماء المعاصرون بموضوع تعليم المرأة لما نعايشه اليوم من الجهل  والتأخر بين صفوف النساء.
   وعلى اعتبار مكانة المرأة في المجتمع  ومنزلتها  لا يقل تعليمها أهمية عن تعليم الرجل، بل يكون تعليم المرأة أحق بأن يحفظ لما يكتنفه من ظروف ذات أبعاد على حياة المجتمع.
   
  


          

           











تعليم المرأة
أولا: ً قضية المرأة.
   لا تظنوا أن قضية المرأة هي وليدة الساعة، أو أنها أتى بها المستغربون، أو من يزعمون النهضة والتقدم ونحو ذلك، المرأة صنو الرجل، والمرأة جزء من الحياة، والمرأة ركن شاء الله عز وجل لها ذلك، وأعطاها من المسئولية وحفظ لها من الحقوق ما للرجل، ولهذا سوف أستعرض معكم آيات من كتاب الله عز وجل، وعليكم أن تستصحبوا أن قرآننا تنزل على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، وعليكم أن تتفكروا كيف كان العالم قبل ألف وأربعمائة سنة أو ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، كيف كان اليونان؟ كيف كان الصينيون؟ كيف كان الهنود؟ كيف كان الرومان؟ كيف كانت أوروبا بأجناسها؟ كيف كان اليابانيون؟ كيف كان الفرس، كيف كان العالم؟!
  لا يكاد ينظر في شيء، ولا تكاد تكون حضارة محفوظة ومكتوبة ومدونة كحضارتنا أهل الإسلام أبداً، إنما رءوس أقلام، وخطوط باهتة عن بعض الشخصيات كـ أفلاطون ، أو بعض الملوك ونحو ذلك ككسرى وقيصر، لا تكاد تجد شيئاً مكتوباً يمثل حضارةً متقدمة تقدماً علمياً، وبخاصة في قضايا المرأة، في قضايا الحقوق.
   وأما كتاب ربنا فتنزل بهذا الحديث المستفيض عن الحياة كلها، عن   المستويات فيها، بقطع النظر عن كلام الآخرة فهذا شيء جلي وليس
محل حديثنا، حديثنا عن القرآن والسنة؛ قرآن نبينا الذي تنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرته في قيام هذه الحياة برجلها وامرأتها، أتى دينٌ كامل، وفصل كل قضايا الحياة ودقائقها، بما في ذلك قضية المرأة، فلا يظن الظانون حينما نتحدث عن المرأة في هذا العصر الذي يزعمونه عصر نهضة وتقدم؛ أننا ندافع، أو أننا في الموقف الضعيف، أو أننا كنا في الظلمات.
  القضية كبيرة: أوروبا كانت في عهد ظلمات وفي القرون الوسطى، وكنا في عصور النهضة، كان ديننا هو القائد، وكان ديننا هو الحاكم، وكانت حضارتنا هي التي تغطي العالم، وحكمنا لا تغيب عنه الشمس؛ بعدل ونور وعدالة، وحقوق بينه للرجال والأطفال والنساء، والحيوان والحجارة والأشجار، وحقوق المسلمين وغير المسلمين من الرهبان والشيوخ والصبيان، فإذا كانوا يتحدثون عن عصر ظلمات فهو في حقهم هم.
إذاً: فحينما نتحدث عن قضية المرأة فنحن لا نتحدث من موقف ضعف ولا لأننا محل شبهة، نحن نقول: قال الله وقال رسوله في وحي تنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنوعية القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرناً.
أولاً: من المعلوم في أسلوب اللغة العربية أن الخطاب للذكر هو خطاب للأنثى من باب التغليب، وهذا أسلوب في لغة العرب، بل حتى في اللغات الأخرى وهو ما يسمى بالجنس، فحين يقول: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } [الانفطار:6] ليس المقصود الذكر وحده، وحينما يقول الله عز وجل: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } [العصر:1-2] معلوم أنه لا يراد به الذكر وحده، وحينما يقول: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } [العصر:3] بالاستثناء لا يريد به الرجال وحدهم، وهذا كثير، ومعروف في اللغة وعند الفقهاء رحمهم الله، فأي حكم فهو للرجال والنساء؛ هذا جانب.
   إذا خصت المرأة بخطاب، وهذا هو الذي سوف نستعرضه فيما بين يدي من آيات، فهي في الكلام عن المرأة.
  وأعيد مرة أخرى أن قضية المرأة قضية مبحوثة في ديننا بكل جوانبها، لا لأننا من موقف ضعف، وإنما فعلاً لأن الدين جاء لإقامة الحياة على وجهها بذكرها وأنثاها، ولهذا حاولت أن أحصر الكلام في أربعة موضوعات هي في بعض آيات كتاب الله:
أولها: آيات في المساواة في الخلق والتكوين والأصل.
ثانياً: آيات في خطاب التكليف والمسئولية.
ثالثاً: آيات في أحوال الاستضعاف.
رابعاً: آيات في الجزاء والثواب .
  مساواة المرأة بالرجل فيما لا يخرجها عن أنوثتها ولا يغمطها حقها
المساواة أساس من أسس الإسلام، فهو دين المساواة إلا أن الله تعالى فضل الرجال على النساء؛ لأن الرجال مطالبون بحقوق تقابل هذه الدرجة
أو تزيد، فهم الذين يبذلون أموالهم عند الزواج، وهم الذين يسعون في سبيل الحصول على لقمة العيش، وهم مطالبون بالنفقة؛ يقول الله سبحانه وتعالى لآدم و حواء : { فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } [طه:117]، ويقول المفسرون: إن الله قال: (فَتَشْقَى)، ولم يقل: فتشقيا.
   وإن حذف الألف في هذه الآية يدل على أن الرجل -وحده- هو المطالب بالبحث عن العيش، لأن معنى قوله تعالى: (فتشقى) يعني في البحث عن العيش، لأنك في الآخرة قد كفيت العيش، وبهذا استدل العلماء على أن المرأة غير مطالبة بالنفقة، وأن الرجل هو المطالب بالنفقة عليها.
  فالمساواة في الأصل ثابتة حقاً، يقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الأعراف:189].
  كذلك المساواة في العمل ثابتة أيضاً: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [الأحزاب:35] إلى أن قال الله في آخر الآية: { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35].
  كذلك المساواة في جزاء الآخرة: يستوي في ذلك الرجل والمرأة، كل ينال نصيبه وجزاء عمله، { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرً } [آل عمران:30]، ويقول سبحانه: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران:195].
   وكذلك المساواة في المعاملات: في البيع والشراء، والأخذ والإعطاء، والرهن، والقرض، وما أشبه ذلك.
   وكذلك المساواة في التعليم: فالإسلام لم يحرم تعليم المرأة، لكنه يأمرها بالحشمة حينئذٍ والتستر، فهو يبيح لها أن تتعلم كل ما تستفيد منه، بل قد يوجب التعلم في كثير من الأحيان إذا كان دينها لا يقوم إلا به، إلا أنه ينهى عن المبالغة في التعليم حتى يطغى على سن الزواج، لأنه يفوّت فرصة من فرص الحياة التي لا بد للمرأة منها.
   وإذا كانت هناك مطالب للمساواة غير ما سبق، فإنها ليست من مصلحة المرأة، وإنما تصدم مصالحها، ولن تعود عليها بخير؛ ولهذا فإن هؤلاء الذين يطالبون بالمساواة لم يخلصوا لها، بل هم عدوها اللدود؛ فهم يريدون مساواتها بالرجل في جميع وظائف الحياة، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن تركيبها يختلف كثيراً عن تركيب الرجل، وعضلاتها تختلف، فلقد أثبتت التقارير العلمية الدقيقة أن هناك فرقاً كبيراً في الوزن، وحجم القلب، وتركيب الأعضاء، وغير ذلك بين الرجل والمرأة!! علماً أن مزاولتها لجميع الأعمال يعرضها للفتنة وانحطاط الخلق حينما تختلط بالرجال الأجانب، وقبل ذلك فهي مطالبة بأعمال لا يستطيعها الرجال من الحمل، والولادة، والرضاع، والحضانة، وتربية الأولاد، وغير ذلك.
وفوق هذا كله، فالمرأة مأمورة بعدم الخروج من البيت إلا بمقدار الحاجة والضرورة، والعمل غير المقيد يطالبها بالخروج المستمر، والله عز وجل يقول لها: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب:33]، ولا يجوز تكليفها بأي عمل يفرض عليها الخروج المستمر عن بيتها، ويعرضها للذئاب الجائعة.
   وأخيراً نقول: ماذا تريد المرأة؟! أتريد المساواة الإنسانية في الأصل والنشأة مع الرجل؟ لها ذلك، وذلك ثابت لها في قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الأعراف:189].
أم هل تريد المساواة في الاستقلال الاقتصادي، وحرية التملك والمعاملة والأخذ والإعطاء؟ لها ذلك.
  أم هل تريد حق التعليم والعمل بضوابط وحدود؟ لها ذلك.
 أم هل تريد حق اختيار الزوج الصالح؟ لها ذلك.
 أم هل تريد العشرة الحسنة مع زوجها؟ لها ذلك.
  أما إذا كانت تريد بالحرية التبرج، ومزاحمة الرجال، وإفساد المجتمع، فليس لها ذلك؛ محافظة عليها وعلى مجتمعها ودينها، ولا يعرف هذا الأمر إلا الذين اكتووا بناره، وتجرعوا غصّته، فصاروا ينادون بأعلى أصواتهم: خذوا منا عبرة، حافظوا على المرأة، احذروا أن تتركوها طليقة، احذروا أن تتركوا لها الأمر كما تريد!

التعليم
   ونعني بذلك التعليم الذي لا يقف عند حد، والتعليم نحن -والله­- لا ننكره، وهو حق للرجل وللمرأة، ولكن أي تعليم هذا الذي يجب أن يكون حقاً للرجل والمرأة؟ معرفة الله، ورسوله، ودين الإسلام، والحلال والحرام، وشيء من العلوم العصرية التي تستفيد منها المرأة.
   لكن قل لي بالله -يا أخي!-: هذه المرأة التي لا تريد أن تقف إلا عند آخر جدار في هذا التعليم، لا تقف حتى تحصل على الدكتوراه، وتدرس في الجامعات كل الفنون وكل العلوم، إذاً أين المرأة؟ ومن للبيت ولتربية الأطفال؟ ومن ومن إلى آخره.
   التعليم يجب أن يكون بمقياس معين، أو بحد معين، وإلى حد ومستوى معين، أما أن تكون المرأة ذات طموح بحيث لا تقف عند حد ولا شهادة ولا مؤهل ولا نوع من الفنون التي لا تحتاج إليها فهذا خطر من نواحٍ كثيرة: الناحية الأولى: أنه يذهب بزهرة شبابها، فلا تكاد تكمل المرحلة التي تطمح إليها إلا وقد كبرت سنها فأصبحت لا يرغب فيها الرجال، وهذا أول خطر من الأخطار، وهذه هي المشكلة التي عاناها العالم عن أيماننا وشمائلنا، فأصبح النساء الجامعيات ومن وراء الجامعات مكدسات، وأدى ذلك إلى فساد فيهن؛ لأن الرجال لا يرغبون فيهن؛ لأن السن أصبحت متأخرة.
  الناحية الثانية: أن المرأة درست كل شيء فأصبحت تتطلع لرؤية ما درسته، درست جغرافيا العالم كله، فأصبحت تتطلع إلى أن ترى هذا العالم، درست تاريخ العالم كله، فأصبحت تتطلع إلى أن ترى هذا الشيء، درست لغات أجنبية، فتريد أن تطبق هذه اللغات في مجتمعاتها التي تعيش فيها، وعلى هذا أصبح تعليم المرأة الذي لا يقف عند حد معين ولا عند نوع معين من التعليم أصبح يشكل خطراً عليها.
 الناحية الثالثة: أن النساء اللاتي بلغن القمة في التعليم أصبحن يتمنين ولو ربع زوج أو ثلث زوج أو نصف زوج، فلا يحصلن عليه، وهذا يعتبر من الأخطار التي لا تدركها المرأة إلا بعد أن تصل إلى الذروة والنهاية.
الناحية الرابعة: العزوف عن الزواج، وهو يعتبر فرعاً عن التعليم طويل المدى الذي لا يقف عند حد ولا عند نوع معين، فأدى إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج، ولربما تصاب هي بعزوف من الزواج فتصبح عانسة، ثم تكون نهايتها بعد ذلك أرملة.
الناحية الخامسة: المغالاة في المهور، وهذه اصطنعها أقوام لديهم من الجشع الذي لا يقف عند حد، ونسوا قول الله عز وجل: { وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور:32]، ونسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أكثرهن بركة أقلهن مئونة ).
وقد مُني عصرنا هذا بالمغالاة في المهور، ويا ليت هذه المهور وهذه الأموال التي تبذل تصبح ملكاً للمرأة تتمتع بها في حياتها، وتقدم منها ما تشاء من أفعال الخير، بل أصبحت هذه الأموال تقدم لتحرق في ليلة واحدة في أكثر الأحيان، واذهب إلى قصور الأفراح وانظر إلى النعم والخيرات التي تضيع، واللحوم التي ترمى، والأطعمة التي تهراق في الأسواق، والمسلمون في مجاعة وشدة لا يعلمها إلا الله عز وجل.
  هذه المهور وهذه المغالاة في المهور التي أصبح كثير منها يصرف على اللهو واللعب والمحرمات أصبحت تشكل خطراً على الرجل والمرأة، فأصبح كثير من الشباب لا يستطيع جلب هذه المهور، وأي حل يسعى إليه؟ إما أن يذهب إلى الفساد هنا وهناك، وسيجد الوسائل ممهدة، الطائرات يومية، التذاكر مخفضة، الجوازات جاهزة، وإما أن يذهب ليتزوج من الخارج بامرأة غريبة عنه وعن مجتمعه، ولربما لا يتأكد صلاحها، وهذه كلها أخطار تحيط بالمرأة، أما المرأة هنا فإن جشع وليها ومطالبه الكبيرة التي لا تقف عند حد أصبحت تحول بين هذه المرأة وبين الزواج.

فريضة تعليم المرأة
    وكما كان اللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك كان اللبس في تعليم المرأة، فإن من حق المرأة أن تتعلم، وكما قلنا: أي خطاب للرجال هو خطاب للنساء، وقال الله عز وجل: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:1-5] الرجل والمرأة، و { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9] الرجال والنساء، فأي خطاب كما قلنا فهو موجه للرجال والنساء، ولا شك أن هناك ضوابط مأخوذة من الدين أيضاً، وإلا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: { طلب العلم فريضة على كل مسلم }، ليس في الحديث مسلمة لكن لفظ مسلم يسشمل الرجل والمرأة، إلا أنه لا شك أن هناك ضوابط تتعلق بطبيعة المسئوليات التي بها تستقيم الحياة استقامة حقيقية يترتب عليها نوع التعليم، ولهذا نقول: وكما كان الخلل واللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك حصل اللبس والخلل في مفهوم تعليم المرأة، إذ لا شك أن تعليم المرأة حقٌ، وحينما جاء الحديث الشريف: { طلب العلم فريضة على كل مسلم } فإن المراد به كل مسلم ومسلمة؛ لأن الخطاب كما قلنا للجميع، وهذا معروف في نصوص الكتاب والسنة، وكذلك في أسلوب اللغة، ولكن الانحراف الذي حصل في هذا المفهوم، أو هذا الشعار أنهم ربطوا ذلك باختلاط الفتيان والفتيات، وربطوا ذلك بالتبرج في اللباس، وربطوا ذلك بأمور كثيرة، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا حينما جاء التعليم -طبعاً في غير ديارنا ولله الحمد- لكن نحن نتحدث فعلاً عن قضايا التغريب، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا الأسرة المسلمة في الاختلاط وأمام مأزق الدين نفسه، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، من غير تعليم، وفي الواقع هناك ارتباط بين التعلم في كثير من الصور المعاصرة وبين التفسخ الأخلاقي، مع الأسف أن هذا الذي ينكره يماري مماراة ويجادل في أشياء لها برهان كالشمس في كثير من قنوات التعليم.
  إذاً: حينما ربطوا بين التعليم والاختلاط، وبين التعليم والتفسخ، وبين التعليم وأنواع اللباس، كأنهم حرصوا أن يضعوا الأسرة المسلمة أمام مفترق طرق، أو مأزقٍ ديني ونفسي، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، إما أن يبقين بلا علم، وإما أن يفرطن في التزاماتهن الدينية والخلقية والتربوية، وأنت تعلم عقلاً وحساً أنه ليس ثمة تلازم بين التعليم والاختلاط، ولم يقل أحدٌ بأن البنت إذا تلقت العلم مع زميلتها وشقيقتها سيسوء فهمها ويتأخر تعليمها، ولكن مع الأسف ورغم وضوح ذلك فقد حرصت الدعوات المشبوهة والمنحرفة بمعونة مؤسسات من الداخل والخارج على ربط تعليم المرأة بالاختلاط مما أساء في نهضة المرأة المسلمة، فلمصلحة من تلزم الأسرة المسلمة بما لا يلزمها؟ وهل النهضة لا تكون إلا بترسيخ مبدأ علماني غربي في ديار الإسلام ليس له أي مردود نهضوي أو عقلاني في مسيرة الأمة نحو السبق الحضاري الراشد؟ والنتيجة لقد أخرجوها من بيت وليها أباً أو زوجاً أو غيرهما بشتى الحيل بل وأهونها، فكان ذلك بدايات المحذورات جميعاً، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها، وانصرفت إلى نضال مدنس أو على الأقل ثانوي؛ سعياً وراء تحصيل علم بزعمهم، وتحقيق الكيان الاجتماعي بحسب تعبيراتهم، وإثبات الشخصية والوظيفة المرموقة، وباسم العلم والنور والتقدم أخرجوا نماذج نسوية تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل ومسارح الاختلاط المختلفة خلفت وراءها رسالتها الحقيقية وبخاصة سياسة البيت، فنبتت المشكلات الأسرية والزوجية، وتفككت الأسرة، وضاعت المسئولية، ومع الأسف أن هذا فيما يتعلق بالتعليم المختلط، أو حتى عموم تعليم المرأة.

عمل المرأة
نأتي إلى قضية عمل المرأة.
 قضية الحط من العمل المنزلي.
  ما كان ينبغي أن يكون عمل المرأة مشكلة، لأنه مع الأسف إذا قالوا: عمل المرأة أو إذا قالوا: المرأة العاملة فإنهم لا يعترفون بعمل المرأة إلا إذا كان خارج بيتها، ومع الأسف حاولوا أن يرسخوا هذا المصطلح، وهذا من التغريب؛ فإذا قال لك: المرأة العاملة، وظروف المرأة العاملة، وتهيئة ظروف المرأة العاملة، ومساعدة المرأة العاملة، فالمرأة في بيتها عندهم ليست عاملة، ولهذا كان توجههم الأول هو الحط من العمل المنزلي.
  نحن لا ننكر أن المرأة قد تحتاج إلى أن تعمل خارج بيتها، هذا لا شك أنه مقدر ومأذون فيه بضوابطه، لكن منطلقهم وهو الذي نركز عليه هو الحط من العمل المنزلي، واعتبار أنه إذا كانت المرأة في بيتها فإن نصف
المجتمع معطل، والمجتمع كما يقولون أو كما يعبرون: يتنفس من رئة واحدة.
  وأنا أريد أن نتحدث في هذا عن نوع من الخطاب الرقمي، أو الإحصائيات فيما يتعلق بعمل المرأة في منزلها، وهو ما يسمونه: بالإنتاج القومي، أو المردود الاقتصادي، لأن هذه معاييرهم، أما قضية الحشمة، وقضية الأدب، وقضية تربية الأولاد؛ فهذه ليست في حسابهم أبداً، صحيح أنهم يتكلمون نظرياً عن المرأة وتربية الأولاد، لكن الواقع إلحاحهم على إخراج المرأة، وعلى إلغاء أهمية العمل المنزلي هذه هي القاصمة وهذه هي الطامة، ولهذا فهم يصرون على إخراج عمل المرأة في بيتها من مفهوم العمل، ولهذا تجد في عباراتهم الشائعة: أن المرأة إذا لم تعمل خارج منزلها فإن المجتمع يكون نصف معطل، أو هو مجتمع يتنفس من رئة واحدة، وبنظرة علمية عاقلة بحسب مقاييسهم تدرك أن هذه الدعوة لا يسندها أي حجة، مثلاً: هذا اقتصادي معروف لكن بطبيعتي لا أحب ذكر الأسماء في مثل هذه الجموع والمرجع والصفحة مثبت عندي، يقول: إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات، وفي تقرير للأمم المتحدة صدر عام خمسة وثمانين ميلادية، يعني: أربعمائة وخمسة تقريباً حول القيم الاقتصادية لعمل المرأة في المنزل، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية.
   طبعاً نساء العالم بما في ذلك أوروبا ، و أوروبا المرأة العاملة فيها بالبيت قليلة جداً، وأغلب النساء التي تعمل في المنازل من نساء العالم الثالث، والعالم الثالث هو الذي يعاني الفقر، فإذا خرجت المرأة من بيتها كيف ستكون ميزانية الدول، لاحظ ماذا يقول التقرير، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد.
  بمعنى: أن المرأة في بيتها قد وفرت على الدولة نصف دخلها القومي، فما بالك بدول العالم الثالث الفقيرة أو التي مستواها قريب من الفقر؛ فإنها ستفقد نصف دخلها القومي، يعني: يزيد فقرها فقراً، ولا تكسل لأنها لا تأخذ من بيت المال أو من ميزانية الدولة إذا عملت، هذا بم قاييس مادية ومقاييس رقمية.
  لو أعطيت نساء العالم أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم، سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، أو السَّموم اللاهب، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل ولا ماء للشرب، ولو حدث هذا الإضراب فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت.
  ثم يقول التقرير: عمل المرأة في المنزل غير منظور لدى الكثيرين -طبعاً الأمم المتحدة تعتبر حيادية، وتتحدث عن قضايا إحصائية- وإن المرأة لا تتلقى أجراً نظير القيام بهذا العمل، إن هذا العمل حيوي وعلى جانب عظيم من الأهمية؛ غير أن هذه الساعات الطويلة من عناء المرأة في المنزل لا يدركه الكثيرون لأنه بدون أجر.
  هذا كما قلنا قضية رقمية فما بالك بالتربية، ما بالك بالحنان، ما بالك بالاستقرار، ما بالك بالسكن في البيت، بالسكينة والطمأنينة، هذا كله لم يحسم، تصور زوج وزوجته لا يأتون إلا بعد العشاء، أو لا يأتون إلا بعد العصر.
  إذاً: نقول: إن المرأة لو تقاضت أجراً لقاء أعمالها المنزلية لكان أجرها أكثر من أربعة عشر ألفاً وخمس مائة دولار في السنة، إن النساء الآن -وهذا عام خمسة وثمانين- في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من (25% إلى 40% ) من منتجات الدخل القومي من أعمالهن المنزلية.
  هذه المجتمعات الصناعية فما بالك بالمجتمعات التي لا تعمل فيها المرأة كثيراً في الخارج؟
  وامرأة سويسرية تركت العمل ورجعت إلى البيت، تقول: لو حسبت أجر المربية والمعلمين الخصوصيين ونفقاتي الخاصة، لو أنني واصلت العمل لوجدتها أكثر مما أتقاضاه بكثير.
  ولهذا هي فعلاً حسبت لنفسها أنها وفرت على نفسها شيئاً كثيراً، وكما قلت: هي نظرة مادية.
وما بالك بالقضايا غير المنظورة وهي أهم؛ كما في قضية التربية والسكن والحشمة، واستقرار النفس بين الزوج والزوجة وأشياء كثيرة.
  مع الأسف أؤكد مرة أخرى على توجهنا الحق من العمل في المنزل، يقول أحدهم: إن مهمة المرأة التي يتم تقييمها على أساسها تنحصر في الحمل والطبخ وتنظيف المنزل والعناية بالزوج.
  ومع الأسف أن هذه المقولة لأحد أبناء المسلمين، ولو أني قلت له: قال الله وقال رسوله يمكن ألا يستجيب ويقول: هذه أساطير الأولين، لكن لو قلت له: قال فلان وفلان، ولهذا سأقول له: قال برناردشو ؛ لأنه غربي، وأظنه سيسمع كلامه، فأنا أقول: هذا المسكين لو سمع مقالة بعض الغربيين في أهمية الحمل لتغيرت رؤيته، ولو سمع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بالحمل والحامل والجنين لما تغيرت؛ وهذا من التغريب الذي مسخ الأفكار، ومسخ العقول.
  برناردشو يقول -ولقد سميته مع أني لا أحب -كما قلت- ذكر الأسماء ولكني مضطر لخطاب مثل هؤلاء- يقول: إن العمل الذي تنهض به النساء، العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه هو حمل الأجنة وولادتها؛ لكنهن لا يؤجرن بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق، بل العكس ينظرون أنها حضانة كبهائم وكمجرد تفريخ ونحو ذلك.
  ولهذا ديننا حاول أن يصور قضية الحمل بشكل: { وَهْناً عَلَى وَهْنٍ } [لقمان:14] ليبين حقها { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [الأحقاف:15] كل هذا بيان لأهمية هذا الأمر، والموضوع كبير في هذا.
  إذاً: هذه القضايا في موضوع تعليم المرأة وشعار تحريرها والعمل كذلك خارج وداخل المنزل هي التي تدور في الساحة، وهي التي يلوكها من يلوكها على هذا النحو من الطرح مع الأسف؛ نوع من السخرية، ونوع من الاستهجان، ولكن أؤكد أنها نظرة غير عاقلة، وإنما هي إما نوع غفلة وجهل، وإما سوء نية وطوية؛ لأنها لا تخدم اقتصاداً، ولا ديناً، ولا خلقاً، ولا تماسك مجتمع، ولا نهضة حقيقية.

كلمة لمفتي تركيا حول تحرير المرأة
  لعلي أنتقل إلى الفقرة الأخيرة وهي مقالة أو كلمة أعجبتني كثيراً لـ مصطفى صبري ؛ آخر مفتي في تركيا ، وقد عاصر هذه القضايا، وعاصر انسلاخ تركيا وعلمنتها، ولاقى ما لاقى أيضاً حتى في مثل هذا الباب، وأعرض قضية المرأة، وله في هذا كلام، لكن تكلم في هذا كلاماً جيداً، ومقارنة بين هؤلاء الذين يريدون فعلاً أو يزعمون أنهم ينصرون المرأة، وحاول أن يقارن بين المرأة في الشرق والمرأة في الغرب بكلام لا شك إنه يحتاج إلى وقفة وتأمل.
  يقول: من المقطوع به أن مسألة المرأة كانت هي الفارق المتميز بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام والغرب، يقول: فما كان يخطر بالبال -هو يعيش معاناة بلا شك، وتوفي عام (1372هـ) - قال: فما كان يخطر بالبال أن يجد الغرب في امرأته السافرة من يقلدها في الشرق المسلم المعروف والمشهور بتدينه وغيرته على نسائه مهما قلد في غيرها، قد تقلد في كذا، لكن تقلدها في أن تنخلع امرأتك من حجابها وحشمتها وعفافها هذا ما كان يخطر بالبال.
  لأنه كان في تركيا وكان يرى مثل هذا، قال: لكن مع الأسف أن غيرته على نسائه زالت مع غيرته على إسلامه.
وهذه والله قاعدة يعني: إذا قلت الغيرة على النساء فهي قلة غيرة على الدين، وهذا أمر جلي، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة، وهذه التي أريد أن نتوقف عندها، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة يحسب أنهم يجلون المرأة، ويقدرونها ويقصدون إلى رفعة مكانتها، ومن هذا الظن الخاطئ اعتبروا المرأة الشرقية مغموطة الحق، منكودة الحظ، محقورة مظلومة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة: أن الغرب ومقلديهم من المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، ولهذا لا شك أن الذي يطالب بحقوق المرأة رجال، ثم المرأة تأتي في الصف الثاني وهذا تأملوه تجدوه حقيقة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة أن الغرب ومقلديهم المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، فما مظاهر إجلال الرجل المعاصر للمرأة وتقديمه إياها على نفسه -يقدمونها بالدخول والخروج- إلا نوعاً من المخادعة وجعلها أداة للهو واللعب، وما إخراجها من بيت الكرامة والعفة إلا لتسام الخسف في سوق الابتذال، حتى إن اشتراكها في أعمال الرجل الذي قد عدوه انتصاراً لها وفوزاً بحقوقها وتحقيقاً لمساواتها المدعاة بالرجل ما هو إلا احتمالها لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حتى حق القيام على النساء، وهذا صحيح، فلو وقفنا وقفة هؤلاء النهضويون ماذا قدموا للأمة! هل أصبحنا دولاً صناعية؟ فقط: مجرد لباس، ومجرد خلاعة، ومسارح، وفنون، هذا الذي أخذ به كثير من دول العالم الثالث وأغلبها الدول الإسلامية، لا نهضة في أنفسنا، ولا نهضة في الاقتصاد، ولا نهضة في استقرار حقيقي، ولهذا يقول هو: وما فعله الإنسان إلا احتمال لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حق القيام فضلاً عن نسائه، مع أن تحملها أي: المرأة، لتلك الأعباء هو مزاحمة للرجل لا مساعدة له فيها.

حكم عمل المرأة ممرضة
  الإسلام لا يعارض تعليم المرأة، كما أنه لا يعارض عمل المرأة، فقد كان من النساء المسلمات من تخرج في أيام الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم لتمريض الجرحى، وعلى كل نقول: دخول المرأة في مدرسة للتمريض، أو اشتغالها بالتمريض، أو دخولها في مستشفى للتمريض هذا الأصل فيه الحل، لكن له ضوابط وشروط وقيود، وأهم هذه الشروط أن تكون متحجبة محافظة لا تختلط برجال، ولا تخرج إلى هذا المكان إذا كان بعيداً عنها إلا بمحرم، ولا تستعمل أي نوع من المحرمات، لا تستعمل الطيب، ولا الملابس الشفافة الضيقة والقصيرة، وإذا التزمت بهذه الأشياء وكانت مع النساء وكانت محاطة بعيدة عن الرجال فأرجو أن يكون هذا من باب الحاجة والضرورة، أما إذا اختل واحد من هذه الشروط فإن النهي يأتي عن طريق هذا الشرط الذي فقد.

حقيقة دعوة حرية المرأة
  وحينئذٍ فإن لم تقهر المرأة في هذه المزاحمة وتغلب -طبعاً لو صار في صراع حقيقي بين الرجل والمرأة ما كانت المرأة أن تغلب الرجل- ولهذا يقول: وحينئذٍ فإن لم تقهر المرأة في هذه المزاحمة وتغلب فإن عدم غلبتها وقهرها ما هو إلا تنازل من الرجل مقابل استغلاله لأنوثتها وابتذاله لها، وقد كانت المرأة في الشرق هي خير عون للرجل أعمالها كانت بحشمة؛ في الزراعة، كانت تعمل في بيتها تخدم وتقدم أعمالاً بيتية لكن كانت المرأة خير عون للرجل في عمله، ولها عملها وله عمله في سائر البيت وسائر الحياة في انضباط وحشمة وعفة فهي الزوجة والأخت والأم، وهذا هو الأمر السائد غير أننا لا ننكر أن هناك نساء مظلومات كما قلنا قبل قليل، ووجد -ولا شك- نوع اضطهاد، وهو يقول: هذا الاضطهاد الذي يتحدثون عنه ويدندنون حوله لا يخلو من إحدى صورتين:
اضطهاد على الطريقة الشرقية، أي: أنها محصورة في العمل في بيتها فهي زميلته في الحياة ومساعدته في بيته، الاضطهاد الذي يرونه اضطهاداً هو بقاؤها في بيتها، وسماه الشيخ هنا اضطهاد على الطريقة الشرقية.
  قال: أو اضطهاد على الطريقة الغربية، فهي زميلته في الحياة ومزاحمته في أعمال الحياة وظروف المعيشة.
  والنتيجة، يقول: إن في كلا الصورتين ليس لها موقف حر ممتاز خالٍ من الاضطهاد، لكنها في الطريقة الغربية تتميز بكونها أداة للهو واللعب والاستمتاع من قبل الرجال.
  فالذين يدعون ويعملون لحرية المرأة في الشرق يريدون تحقيق جانب اللهو واللعب والاستمتاع، وهي الصورة التي يزعمون أنها بها أخذت حريتها، وسلمت من الاضطهاد، كما أن دعاة السفور يزعمون أنهم يعطون المرأة مكانة حين يكون الرجال الأجانب مزاحمين لزوجها عليها، وفي نظر العاقل المنصف فإن ضعف المرأة في القوة الجسمانية الذي لا يختلف عليه أحد من موافق ومعارض، إضافة إلى طمع الرجل بها مع عدم استغنائها عنه، كل ذلك يمنع استقلالها في الحياة، ويحتم عليها ألا تعيش فرداً منعزلاً، فكيف يكون ذلك مع حفظها وتكون مبتذلة للرجال.
  هذه حقيقة يجب أن نقررها، وهي موجودة، وبمعنى أنه فعلاً هي مضطهدة يعني على الطريقة الشرقية وهي التي ننكرها أيضاً ولا نرضاها، أو الطريقة الغربية وهي فعلاً شئنا أم أبينا هي أداة استمتاع، ولهذا تضع أصباغها وزينتها في المدرسة وفي المعمل وفي الإدارة وفي كل مكان بروائحها العطرية الفواحة.

وقفة بين نظرة الإسلام ونظرة الكفر إلى المرأة
   ولعلي أختم بهذه الكلمات: وهي وقفة بين نظرتنا ونظرتهم.
 هل الحرية والحقوق أن تكون المرأة غانية في سوق الملذات والشهوات، يستمتع بها الرجل من طلوع الشمس إلى غروبها، ومن غروبها إلى طلوعها في دور الأزياء، وقاعات السينماء، وشاشات التلفاز، وصالات المسارح، وأغلفة المجلات، وشواطئ البحار والأنهار، وبيوت اللهو والدعارة، والصخب في السيارة، بل ومع الأسف حتى في ردهات المستشفيات والملاحات الجوية، ومن المشين المخجل أن يقال: إن ذلك قد يقع حتى في دور التعليم ومحاضن التربية، هل هذا هو سبيل نيل الحقوق؟ أو هذه هي صورة نيل الحقوق؟ ولكن في الحقيقة إنها البيوت الخربة، والمسئولية الضائعة حين ألقاها الرجل عن كاهله فوقعت تلك النساء حيث وقعن؛ إهمال وتنصل من مسئولية الإنجاب والتربية البيتية، فأصبح الذكر والأنثى لنفسه لا لأهله، للذته لا لكرامته، فمن أجل هذا فأنت ترى أنه كلما سادت هذه المفاهيم رأيت الفساد يستشري، والخراب إلى الديار يسري، إنهم يريدون امرأة نداً للرجل ومماثلاً له ومناوئاً، والمرأة في نظرتنا شقيقة الرجل وشقه ومتممته، الرجل محتفظ برجولته والمرأة متميزة بأنوثتها، إنها في نظرتهم كما أسلفت آلت إلى سلعة في سوق النخاسين وعروض الأزياء، غانية في سوق اللذة والشهوات.
  إن نظرتنا أنه لا يجوز أن يكون تأمين العيش، ولا مكافحة الفقر، ولا محاربة الجهل على حساب العرض والشرف، فما ضياع الشرف إلا ضياع العالم كله إن كانوا يعقلون، ولئن وجد الشاب والشابة في نزواته وصبواته وفترة الطيش من عمره لذة عاجلة أو شهوة عابرة فإن عاقبة ذلك الدمار والتشتت الأسري وانهيار المجتمع كله، وما كانت فتيات المجلات ونجوم المسلسلات إلا نتاج هذا النظام الخاسر.
  إذاً: هذه إشارات إلى مواقع المرأة والرجل في ديننا، خلقهم الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة، العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة وسكن وطمأنينة، لا علاقة صراع ومنافسات غير شريفة، وهذه بعض لمحات وبعض إشارات، والموضوع واسع، والقضية كبيرة، ولكن لعل من مجموع ما سمعتموه مما سبق وما سوف تسمعون إن شاء الله تتكامل النظرة والصورة.

تربية المرأة
  المرأة المسلمةمرآة صادقة لمنهج الانصاف والعدالة اللذان تشتمل عليهم رسالة الإسلام وتكوينها المزاجي يفرض عليها أن تسلك سبل التكيف مع ظروف تخصها دون الرجل.
  ومع كل هذا يتحتم على الأسرة المسلمة أن تربي المرأة وفق تعاليم الرسول (صلى الله عليه وسلم)  "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكرالله كثيرا"
  فقد كان من خريجي مدرسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التربية أهل بيته الأطهار،وعلى رأسهم سيدة نساء العالمين عليها السلام.
  نالت شرفا وعزا وبوأت مكانة لا تساويها مكانة لشرفها    وسموها الخلقي.
التربية مسألة متعددة الأطراف فصعب استيعابها في مقالة موجزة، ولكن نكتفي بما يلي على سبيل المثال:
*التربية الإيمانية:لغرس أركان الإيمان وأصوله.
*التربية العبادية: لتدريب الفتاة على العبادة والتنسك.
*التربية الحرفية: لتمكينها من الإعتماد على النفس.
وأمرنا الشارع أن نأدب الأولاد على ثلاث خصال، فقال عليه الصلاة والسلام: " أدبوا أولادكم على ثلاث خصال،حب نبيكم وأهل بيته وتلاوة
القرآن.

خاتمة
 بناء الجيل القادم يعتمد بالأساس على تربية المرأة وتعليمها حتى تتمكن من القيام بمسؤلياتها كأم و زوجة محترفة.
وأهم مانود الإشارة إليه هو الإنحلال الخلقي الناتج من التغريب والذي أخذ ينتشر بين صفوف الفتيات المسلمة.
وليس من السهولة بمكان ارساء دعائم التربية السليمة إلا إذا تم وقف طوفان الجهل والخلاعة بين صفوف النساء.

أهم المراجع

1- الشيخ صالح المنجد
   درس بعنوان (تعليم المرأة)
2- الشيخ عبد الله الجلالي
  درس بعنوان (مساوام المرأة بالرجل فيما لا يخرجها عن)
3- الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
  (حكم تعلم المرأة في المدرسة)
















(فريضة تعليم المرأة و تربيتها في الإسلام)




مقالة قدمت يوم التاسع من شهر رمضان المبارك لعام(1433هـ)
ضمن دورة تعليمية عقدها مجلس العلماء بولاية جغاوا.









إعداد:
 تراكي عثمان هطيجيه.

هناك تعليقان (2):

  1. مستشفي شفاء واحدة من أفضل المستشفيات العالمية لعلاج السرطان والأورام في كوريا الجنوبية وأحد أهم مقاصد السياحة العلاجية في كوريا الجنوبية.

    نسبة الشفاء من سرطان القولون

    ردحذف